فصل: (فَصْلٌ): (إتْلَافُ الْمَغْصُوبِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [إتْلَافُ الْمَغْصُوبِ]:

(وَإِنْ أُتْلِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- مَغْصُوبٌ بِإِتْلَافِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ؛ بِأَنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ الْمَغْصُوبُ، أَوْ أُحْرِقَ الْمَتَاعُ الْمَغْصُوبُ- وَلَوْ كَانَ إتْلَافُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ بِلَا غَصْبٍ- بِأَنْ أَتْلَفَهُ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ إلَى يَدِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، (أَوْ تَلِفَ مَغْصُوبٌ)؛ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَمَاتَ، أَوْ مَتَاعًا فَاحْتَرَقَ وَنَحْوُهُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ لَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْمَرَضِ؛. (ضُمِنَ) مَغْصُوبٌ (مِثْلِيٌّ)؛ أَيْ: ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ أَوْ مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ، (وَهُوَ)- أَيْ: الْمِثْلِيُّ- (الْفُلُوسُ، وَكُلُّ مَكِيلٍ) مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ وَمَائِعٍ وَغَيْرِهَا، (أَوْ مَوْزُونٍ) كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَرِيرٍ وَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَنَحْوِهَا (لَا صِنَاعَةَ فِيهِ)- أَيْ: الْمَكِيلِ- بِخِلَافِ نَحْوِ هَرِيسَةٍ، أَوْ الْمَوْزُونِ، بِخِلَافِ حُلِيٍّ وَأَسْطَالٍ وَنَحْوِهَا (مُبَاحَةٌ)، خَرَجَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَتُضْمَنُ بِمِثْلِهَا؛ لِتَحْرِيمِ صِنَاعَتِهَا، وَيَأْتِي، (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ)، بِخِلَافِ نَحْوِ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ (بِمِثْلِهِ)- مُتَعَلِّقٌ يُضْمَنُ- نَصًّا، لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِمُمَاثِلَتِهِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَيَّنِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ؛ فَإِنَّهَا مُمَاثِلَةٌ مِنْ طَرِيقِ الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَسَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاءُ الْمِثْلِيِّ أَوْ تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ، وَلَوْ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً رَائِجَةً، وَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَنَحْوِهَا، (فَإِنْ أَعْوَزَ) مِثْلُ التَّالِفِ؛ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فِي الْبَلَدِ أَوْ حَوْلَهُ؛ كَأَنْ تَعَذَّرَ (لِبُعْدٍ أَوْ غَلَاءٍ) أَوْ عَدَمٍ؛ فَعَلَى الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ (قِيمَتُهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ الْمِثْلِيِّ- لِأَنَّهَا أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ، فَوَجَبَ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَصْلِهِ كَالْآخَرِ (يَوْمَ إعْوَازِهِ)- أَيْ: الْمِثْلِ- لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَتَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا إذَنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ طَلَبَهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَدَاؤُهَا، وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ؛ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَهُ وَلَا اسْتِيفَاؤَهُ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ إعْوَازِهِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ الْوُجُوبِ، (فَإِنْ قَدَرَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ (عَلَى الْمِثْلِ) بَعْدَ تَعَذُّرِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، (لَا بَعْدَ أَخْذِهَا؛ وَجَبَ) الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ؛ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عَنْهُ؛ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا، وَلَمْ تُرَدَّ وَلَا طَلَبَ لِلْمِثْلِ إذَنْ؛ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِأَخْذِهَا، وَكَمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إنْ قَدَرَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ؛ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ مِنْ مِثْلِيٍّ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْجَمِيعِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ (الْقِسْطِ) مِنْ مِثْلِيٍّ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ عَنْ الْبَاقِي؛ إذْ لَا يُكَلَّفُ الْإِنْسَانُ إلَّا مَا يُطِيقُهُ؛ كَمَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمَغْصُوبُ (كَرُطَبٍ أَتَمْرَ)؛ أَيْ: صَارَ وَقْتَ التَّلَفِ تَمْرًا، (أَوْ عَصِيرٍ تَخَلَّلَ)؛ أَيْ: صَارَ خَلًّا، أَوْ سِمْسِمٍ صَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ شيرجا؛ (ضَمَّنَهُ)- بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ- (الْمَالِكُ) لِلْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ (بِمِثْلِ أَيِّهِمَا شَاءَ)؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِثْلَيْنِ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ رُطَبًا وَعَصِيرًا وَسِمْسِمًا، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْغَصْبِ، أَوْ تَمْرًا أَوْ خَلًّا أَوْ شيرجا اعْتِبَارًا بِحَالِ التَّلَفِ. وَالدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا، وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَكَذَا الْفُلُوسُ، وَتَقَدَّمَ.
تَنْبِيهٌ:
يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ، فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ: وَيُيَمَّمُ رَبُّ مَاءٍ [مَاتَ] لِعَطَشِ رَفِيقِهِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَكَانَهُ لِوَرَثَتِهِ. وَضُمِنَ (غَيْرُ مِثْلِيٍّ كَجَوْهَرٍ وَصُبْرَةِ بَقَّالٍ وَمَعْمُولٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا (وَحَيَوَانٌ) إذَا أَتْلَفَ ذَلِكَ أَوْ أُتْلِفَ (بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ)؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْمِثْلِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ، وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ، فَالْقِيمَةُ فِيهِ أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ)- أَيْ: نَقْدِ بَلَدِ الْغَصْبِ- لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ بِمُقْتَضَى التَّعَدِّي، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالِاخْتِيَارُ (مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ وَأُجْرَتِهِ) مِنْ يَوْمِ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلَفِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ أَوْ حَدَثَتْ فِي الْمَغْصُوبِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْدُ) بَلَدِ غَصْبِهِ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ؛ فَالْقِيمَةُ (مِنْ غَالِبِهِ) رَوَاجًا؛ لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ (وَكَذَا)- أَيْ: كَالْمَغْصُوبِ فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ- (مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ يُضْمَنُ)؛ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَمَبِيعٍ، لَا نَحْوِ هِبَةٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُتْلِفِ لَهُ؛ فَيُضْمَنُ مِثْلِيٌّ بِمِثْلِهِ، وَمُتَقَوِّمٌ بِقِيمَتِهِ. (وَمَنْ أَخَذَ) مِنْ آخَرَ شَيْئًا (مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ) كَجَزَّارٍ وَزَيَّاتٍ، أَوْ أَخَذَ (حَوَائِجَ) مُتَقَوِّمَةً كَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ وَنَحْوِهِمَا (مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ)، وَلَمْ يَقْطَعْ سِعْرَهُ (فِي أَيَّامٍ، ثُمَّ حَاسَبَهُ) عَلَى مَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ، (فَإِنَّهُ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَلَا الْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ، بَلْ (يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ)؛ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَهَذَا الْعَقْدُ جَارٍ مَجْرَى الْفَاسِدِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الثَّمَنَ، لَكِنَّهُ صَحِيحٌ إقَامَةً لِلْعُرْفِ مَقَامَ النُّطْقِ، وَهَذَا- وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ- أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، بَلْ يَدَّعِي بِأَنَّ الثَّمَنَ فِي هَذِهِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَيَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِهِ، (وَيُقَوَّمُ) الْمَوْزُونُ وَهُوَ (مَصَاغٌ مُبَاحٌ)- أَيْ: فِيهِ صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ؛ وَكَمَعْمُولِ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَمَغْزُولِ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَنَحْوِهِ كَمَغْزُولِ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ، (أَوْ مُحَلًّى بِأَحَدِهِمَا) تَزِيدُ عَلَى وَزْنِهِ لِصِنَاعَتِهِ. وَيُقَوَّمُ (تِبْرٌ تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ) بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَصُوغُ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ قُوِّمَ بِالْآخَرِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، فَيُقَوَّمُ حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ أَوْ كَانَ مُحَلًّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ قُوِّمَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَيْضًا فِرَارًا مِنْ الرِّبَا. وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ (مِنْهَا)- أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مَعًا؛ قَوَّمَهُ (بِأَيِّهِمَا شَاءَ) مِنْهُمَا؛ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّقْوِيمِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ فَكَانَتْ الْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُخْبِرُ التَّقْوِيمَ. (وَيُعْطِي) رَبُّ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ الْمُحَلَّى بِهِمَا (بِقِيمَتِهِ عَرَضًا) لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُفْضِي إلَى الرِّبَا. (وَيُضْمَنُ مُحَرَّمُ صِنَاعَةٍ؛ كَإِنَاءٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَحُلِيٍّ مُحَرَّمٍ)؛ كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَرِكَابٍ وَنَحْوِهِ (بِوَزْنِهِ) فَقَطْ (مِنْ جِنْسِهِ)؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهُ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ.
(وَ) يَجِبُ (فِي تَلَفِ بَعْضِ مَغْصُوبٍ) عِنْدَ غَاصِبٍ (فَتَنْقُصُ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ) وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ (تَلِفَ أَحَدُهُمَا؛ رَدُّ بَاقٍ) مِنْهُمَا إلَى مَالِكِهِ وُجُوبًا (وَقِيمَةِ تَالِفٍ وَأَرْشِ نَقْصٍ) لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، فَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ؛ رَدَّهُ وَأَرْبَعَةٌ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ التَّالِفِ وَدِرْهَمَانِ أَرْشُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ؛ كَمَا لَوْ شَقَّ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الشَّقُّ، بِخِلَافِ نَقْصِ السِّعْرِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعِينٌ وَهَا هُنَا فَوَاتُ مَعِينٍ وَهُوَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ؛ كَمَا لَوْ فَوَّتَ بَصَرَهُ أَوْ سَمْعَهُ وَنَحْوَهُ. (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا بِعَشْرَةٍ) فَلَبِسَهُ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ، فَأَبْلَاهُ، (فَنَقَصَ) الثَّوْبُ (بِاسْتِعْمَالِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ)، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، (ثُمَّ غَلَتْ) الثِّيَابُ، (فَعَادَتْ) قِيمَةُ الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ إلَى عَشْرَةٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْبِلَى؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ؛ لِثُبُوتِهِ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ غُلُوِّهِ)، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِغَلَاءِ الثَّوْبِ وَلَا رُخْصِهِ، وَكَذَلِكَ (لَوْ رَخُصَ) الثَّوْبُ، فَصَارَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةً؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ)- أَيْ: الْغَاصِبَ- (مَعَ رَدِّهِ)- أَيْ: الثَّوْبِ- لِمَالِكِهِ (سِوَى الْخَمْسَةِ) أَرْشِ النَّقْصِ، وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، ثُمَّ غَلَتْ الثِّيَابُ؛ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ إلَّا عَشْرَةً، فَلَا تُزَادُ بِغَلَاءِ الثِّيَابِ، وَلَا تَنْقُصُ بِرُخْصِهَا.
(وَ) يَجِبُ (فِي نَحْوِ قِنٍّ أَبَقَ) مِنْ غَاصِبِهِ، (وَجَمَلٍ) أَوْ فَرَسٍ (شَرَدَ) مِنْهُ، وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ مَعَ بَقَائِهِ (قِيمَتَهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ لِمَالِكِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، (وَيَمْلِكُهَا)- أَيْ: الْقِيمَةَ- (مَالِكُهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- بِقَبْضِهَا، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ (غَاصِبٌ مَغْصُوبًا بِدَفْعِهَا)- أَيْ: الْقِيمَةِ- لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَرِيبَهُ؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالتَّضْمِينِ كَالتَّالِفِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَتُوقَفُ عَلَى خِيَرَتِهِ، (فَمَتَى قَدَرَ) غَاصِبٌ عَلَى آبِقٍ وَنَحْوِهِ؛ (رَدَّهُ) وُجُوبًا بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، (وَأَخَذَهَا)؛ أَيْ: أَخَذَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ بِعَيْنِهَا إنْ بَقِيَتْ؛ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِأَجْلِهَا (بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ) فَقَطْ مِنْ سَمْنٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَلَا يَرُدُّ مَعَ الْقِيمَةِ زِيَادَتَهَا (الْمُنْفَصِلَةَ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ [؛ لِأَنَّهَا] وُجِدَتْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، فَأَشْبَهَتْ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ أَبَدًا نَفْسَ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ، بَلْ بَدَلٌ عَنْهَا، وَإِذَا رَجَعَ الْمَغْصُوبُ؛ رَدَّ الْقِيمَةَ لَا بَدَلَهَا وَلَا ثَمَرَاتِهِ؛ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْهَا ذَهَبًا أَوْ سِلْعَةً، ثُمَّ رَدَّ الْمَعِيبَ بِالْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمَ لَا بَدَلَهَا انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَهُوَ كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحَيْهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّمَنَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ، فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا؛ فَهُوَ عَقْدٌ آخَرُ، وَأَمَّا هُنَا فَالْقِيمَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، فَمَا دَفَعَهُ ابْتِدَاءً هُوَ الْقِيمَةُ سَوَاءً كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، (أَوْ) يَأْخُذُ (بَدَلهَا)- أَيْ: الْقِيمَةِ- (إنْ تَلِفَتْ أَوْ بِيعَتْ) وَهُوَ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، (وَلَيْسَ لَهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (حَبْسُ مَغْصُوبٍ) عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ قِيمَتِهِ (لِدَفْعِهَا)- أَيْ: الْقِيمَةِ- (وَلَا حَبَسَ مَبِيعٍ فَاسِدٍ عَلَى رَدِّ ثَمَنِهِ، بَلْ يُدْفَعَانِ)- أَيْ: الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ أَوْ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَثَمَنُهُ (لِعَدْلٍ) يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ، (يُسَلِّمُ لِكُلٍّ) مِنْهَا (مَالَهُ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ.
(وَ) يَجِبُ (فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ) عِنْدَ غَاصِبٍ (مِثْلُهُ)؛ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ التَّالِفِ؛ لِذَهَابِ مَالِيَّتِهِ بِتَخْمِيرِهِ، (وَمَتَى انْقَلَبَ) عَصِيرٌ تَخَمَّرَ (خَلًّا) بِيَدِ غَاصِبٍ؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ، (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، خَلًّا عَنْ قِيمَتِهِ عَصِيرًا؛ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ، وَكَتَلَفِ جُزْءٍ مِنْهُ؛ (كَمَا لَوْ نَقَصَ بِلَا تَخَمُّرٍ) بِأَنْ صَارَ ابْتِدَاءً خَلًّا، وَكَغَصْبِ شَابَّةٍ فَتَهْرَمُ، (وَاسْتَرْجَعَ) الْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْخَلَّ وَأَرْشَ نَقْصِ الْعَصِيرِ (الْبَدَلَ)، وَهُوَ مِثْلُ الْعَصِيرِ الَّذِي دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ؛ كَمَا لَوْ أَدَّى قِيمَةَ الْآبِقِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَرَدَّهُ إلَى رَبِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عَصِيرٍ أَوْ زَيْتٍ غَلَاهُ غَاصِبٌ بِغَلَيَانِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ. وَإِنْ غَصَبَ رِطْلَيْنِ عَصِيرًا مَثَلًا، فَغَلَاهُمَا، فَذَهَبَ رِطْلٌ، وَزَادَتْ قِيمَةُ الرِّطْلِ الْبَاقِي، فَصَارَتْ تُسَاوِي قِيمَةَ رِطْلَيْنِ قَبْلَ الْغَلْيِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِغَلَيَانِهِ هُوَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُذْهِبُ مَائِيَّتَهُ، وَتُجَمِّعُ حَلَاوَتَهُ، وَالْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ رِطْلَيْ زَيْتٍ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا، فَغَلَاهُمَا، فَذَهَبَ رِطْلٌ، وَبَقِيَ رِطْلٌ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ مَا ذَهَبَ؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَا مَاءَ فِيهِ، فَالذَّاهِبُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَالنَّارُ لَا تُعَقِّدُ أَجْزَاءَهُ، بَلْ تُتْلِفُهَا؛ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ أَوْقَدَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَالزِّيَادَةُ زِيَادَةُ سِعْرٍ. (وَمَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ)؛ بِأَنْ [كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ تَصِحُّ إجَارَتُهَا، (وَأُوجِرَ غَالِبًا) بِأَنْ] جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيجَارِهِ (مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) كَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَسُفُنٍ وَعَقَارٍ؛ (فَعَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِيَدِهِ). هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، فَتُضْمَنُ مَنَافِعُهُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ؛ أَيْ: سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ الْأَجْرَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ احْتَجَّ بِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ». وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْلَافِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا؛ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْأَعْيَانِ، أَوْ يُقَالُ: مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَغْصُوبٌ؛ فَوَجَبَ كَالْعَيْنِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَوَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ إجْمَاعًا، وَلَا يُشْبِهُ الزِّنَا؛ فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ- وَلَا عَقْدٍ يَقْتَضِي الْعِوَضَ- فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعَارَهُ دَارِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ مَهْرُهَا. وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا وَمَضَى عَلَيْهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تُتْلَفُ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُقَدَّرُ بِزَمَنٍ، فَيُتْلِفُهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ. (وَمَعَ عَجْزِ) غَاصِبٍ (عَنْ رَدِّ) مَغْصُوبٍ تَصِحُّ إجَارَتُهُ؛ كَعَبْدٍ أَبَقَ، وَجَمَلٍ شَرَدَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ (إلَى) وَقْتِ (أَدَاءِ قِيمَتِهِ) فَقَطْ، فَإِنْ قَدَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِلْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ مِنْ حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ إلَى رَبِّهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ. وَمَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ؛ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ؛ يَضْمَنُهَا قَابِضُهَا بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ عُقُودِ الْأَمَانَاتِ كَالْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَعُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَلَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهَا، وَلِهَذَا يَرْجِعُ مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْئًا بِمَا غَرِمَهُ، (وَمَعَ تَلَفِ) مَغْصُوبٍ أَوْ مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى قَابِضِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (إلَيْهِ)- أَيْ: إلَى تَلَفِهِ- لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ تُضْمَنُ؛ كَمَا لَوْ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ أَوْ قَبْضٍ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ غَاصِبٍ وَقَابِضٍ فِي تَلَفِهِ، فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِبَدَلِهِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ وَالْقَابِضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فِي وَقْتِهِ)- أَيْ: التَّلَفِ- لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ (فِي تَلَفِهِ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- (لِيُطَالِبَ) مُتْلِفَهُ (بِبَدَلِهِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (وَإِلَّا) تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَغْصُوبِ؛ أَيْ: لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِجَارَتِهِ غَالِبًا؛ (فَلَا) تَلْزَمُ غَاصِبَهُ وَلَا قَابِضَهُ أُجْرَةٌ (كَغَنَمٍ وَشَجَرٍ وَطَيْرٍ)، وَلَوْ قَصَدَ مَوْتَهُ (وَنَحْوِهَا) كَشَمْعٍ وَمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ (مِمَّا لَا مَنَافِعَ لَهُ يُسْتَحَقُّ بِهَا عِوَضٌ) غَالِبًا، فَلَا يَرُدُّ صِحَّةَ إجَارَةِ غَنَمٍ لِدِيَاسِ زَرْعٍ وَشَجَرٍ لِنَشْرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِنُدْرَتِهِ. (وَيَلْزَمُ) غَاصِبًا وَقَابِضًا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فِي قِنٍّ ذِي صَنَائِعَ)؛ أَيْ: يُحْسِنُ صَنَائِعَ؛ إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْسِنٍ صَنْعَةً؛ لَمْ يَلْزَمْ قَابِضَهُ أُجْرَةُ صَنْعَةٍ مُقَدَّرَةٍ- وَلَوْ حَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا تَعَلُّمُ صَنْعَةٍ- لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ (أُجْرَةَ أَعْلَاهَا)- أَيْ: الصَّنَائِعِ- (فَقَطْ) مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِي صَنْعَتَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا يَحْصُلُ لِسَيِّدِهِ بِهِ مِنْ النَّفْعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَعْلَى مَا يُحْسِنُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ. (تَنْبِيهٌ: لَا قِصَاصَ فِي مَالٍ كَشَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ) كَكَسْرِ إنَاءٍ، بَلْ الضَّمَانُ بِالْبَدَلِ وَالْأَرْشِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) (وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ: إسْمَاعِيلُ وَمُوسَى بْنُ سَعِيدٍ والشالنجي وَابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ (يُخَيَّرُ) فِي ذَلِكَ، وَيَأْتِي هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا فِي بَابِ الْقِصَاصِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مَشَاعًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَعَقَارٍ، فَرَدَّ أَحَدُ الْغَاصِبِينَ سَهْمَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِينَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ، وَكَذَا لَوْ صَالَحُوهُ عَنْهُ بِمَالٍ؛ فَلَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِهِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَبَيْعِ الْمَشَاعِ انْتَهَى؛ أَيْ: فَيَصِحُّ وَيَطِيبُ لَهُ الْمَالُ، هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَعَلَّ رِوَايَةَ حَرْبٍ فِيمَا إذَا صَالَحُوهُ عَنْ سَهْمٍ مُعَيَّنٍ، كَذَا لَوْ كَانَ الْغَاصِبُ لِحِصَصِهِمْ وَاحِدًا. وَيَصِحُّ غَصْبُ الْمَشَاعِ، فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ لِاثْنَيْنِ فِي يَدِهِمَا، فَنَزَلَ الْغَاصِبُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ، فَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا، وَبَقِيَ الْآخَرُ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ، حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ أَوْ انْتَفَعَا بِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لِاثْنَيْنِ كَفَّ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ، وَنَزَلَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَوْضِعَهُ مَعَ إقْرَارِ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَاعَاهُ؛ بَطَلَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلنِّصْفِ، وَصَحَّ بَيْعُ الْآخَرِ كَنِصْفِهِ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ غَصَبَ أَثْمَانًا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهَا، فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ، وَطَالَبَ بِهِ مَالِكُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةً، وَقِيمَتُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ وَبَلَدِ الطَّلَبِ وَاحِدَةٌ، أَوْ هِيَ أَقَلُّ فِي بَلَدِ الطَّلَبِ؛ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الطَّلَبِ أَكْثَرَ مِنْهَا بِبَلَدِ الْغَصْبِ؛ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْمِثْلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْغَاصِبِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَتَى قَدَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ أَوْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ رَدَّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ لِلْحَيْلُولَةِ. وَقَدْ زَالَتْ.

.(فَصْلٌ): [تَصَرُّفُ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ]:

(وَحُرِّمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ) وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَالَ (فِي مَغْصُوبٍ بِمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ)؛ أَيْ: لَا يَتَّصِفُ بِأَحَدِهِمَا (كَإِتْلَافِ) الْمَغْصُوبِ (وَاسْتِعْمَالِهِ) كَأَكْلِهِ وَلُبْسِهِ وَنَحْوِهِمَا كَرُكُوبِهِ وَحَمْلٍ عَلَيْهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَذَبْحِهِ. وَلَا يُحَرَّمُ الْمَذْبُوحُ بِذَلِكَ، وَكَسُكْنَى الْعَقَارِ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّ أَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ». (وَكَذَا) يَحْرُمُ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ فِي مَغْصُوبٍ (بِمَا لَهُ حُكْمٌ)؛ بِأَنْ يُوصَفَ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ؛ (كَعِبَادَةٍ)؛ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ يَتَيَمَّمَ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ، أَوْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ يَحُجَّ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ نَحْوِ صَوْمٍ وَذِكْرٍ وَاعْتِقَادٍ؛ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، (وَكَعَقْدٍ) كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ أَجَّرَهُ، أَوْ أَعَارَهُ، أَوْ نَكَحَ الْغَاصِبُ، أَوْ أَنْكَحَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ، أَوْ عَتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ وَقَفَ الشِّقْصَ الْمَغْصُوبَ. (وَلَا يَصِحَّانِ)- أَيْ: عِبَادَةُ الْغَاصِبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا عَقْدُهُ- فَيَكُونَانِ بَاطِلَيْنِ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». أَيْ: مَرْدُودٌ. (وَإِنْ اتَّجَرَ) غَاصِبٌ (بِعَيْنِ مَغْصُوبٍ)؛ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَاتَّجِرْ بِهَا، (أَوْ) اتَّجَرَ بِعَيْنِ (ثَمَنِهِ)؛ بِأَنْ غَصَبَ عَبْدًا، فَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهِ، وَظَهَرَ رِبْحٌ وَهُوَ بَاقٍ؛ (فَالرِّبْحُ وَمَا اشْتَرَاهُ) الْغَاصِبُ مِنْ السِّلَعِ لِمَالِكِ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ. وَهَذَا حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ إنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَّزَهُ لَهُ، وَحَيْثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْحِ لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَجَعْلُهُ لِلْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِ مَالِهِ الَّذِي فَاتَهُ بِمَنْعِهِ. (وَلَوْ) كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ (فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ) الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ؛ (ثُمَّ نَقَدَهُ) مِنْهُ؛ فَيَكُونُ الرِّبْحُ (لِمَالِكِ) الْمَغْصُوبِ أَيْضًا، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبْرِئٍ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: ادْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَهُ بِنِتَاجِهَا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَيْنٍ وَلَا ذِمَّةٍ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ لِلْمَالِكِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ: إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا؛ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ، وَفِي الْمُبْدِعِ تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ صَحِيحَةٌ (حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّ مَغْصُوبٍ لَهُ)- أَيْ: الْمَالِكِ- (وَ) رَدُّ (ثَمَنٍ لِمُشْتَرٍ) كَأَنْ جُهِلَ دَفْعٌ لَهُ، أَوْ تَلِفَ هُوَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنُ الْغَصْبِ بَاقِيَةً، وَأَمْكَنَ رَدُّهَا؛ فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ رَدِّهَا وَتَوَابِعِهَا، وَيَأْخُذُ الْمُعْتَاضُ مَا دَفَعَ إلَى الْغَاصِبِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَسْتَرِدُّ مُشْتَرٍ وَمُسْتَأْجِرٌ لَمْ يُقِرَّا بِالْمِلْكِ مَا دَفَعَاهُ مِنْ الْمُسَمَّى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ. (وَلَوْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ) فِيمَا أَدْرَكَهُ الْمَالِكُ بَاقِيًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ فَوَجْهُ تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ فَفِي الْقَضَاءِ بِبُطْلَانِهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ، وَرُبَّمَا عَادَ إلَى الضَّرَرِ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا يَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ وَالْعِوَضِ بِنَمَائِهِ وَزِيَادَتِهِ، وَالْحُكْمُ بِبُطْلَانِهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَأَمَّا شِرَاءُ الْغَاصِبِ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْهُ وَرَبِحَ؛ فَالرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْقَبْضُ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِفَسَادِهِ، وَإِنْ دَفَعَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى مَنْ يُضَارِبُ بِهِ؛ فَالْحُكْمُ بِالرِّبْحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ، وَلَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا بِعِوَضٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَلَزِمَهُ أَجْرُهُ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ اتَّجَرَ مُودَعٌ فِي الْوَدِيعَةِ)؛ فَالرِّبْحُ لِمَالِكٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا)- أَيْ: الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ- (فِي قِيمَةِ مَغْصُوبٍ) تَلِفَ بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، وَقَالَ الْمَالِكُ اثْنَا عَشَرَ؛ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- (أَوْ) فِي (حُدُوثِ عَيْبِهِ، أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (صِنَاعَةٍ فِيهِ)؛ بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: كَانَ كَاتِبًا، وَأَنْكَرَهُ الْغَاصِبُ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي (مِلْكِ ثَوْبٍ) عَلَى مَغْصُوبٍ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي مِلْكِ (سَرْجٍ عَلَيْهِ)؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ غَاصِبٍ) بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّائِدِ، وَعَدَمُ الصِّنَاعَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ مِلْكِ الثَّوْبِ أَوْ السَّرْجِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا (فِي رَدِّهِ)، فَقَالَ الْغَاصِبُ: رَدَدْته، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ؛ فَقَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ (عَيْبٍ فِيهِ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- حَالَ كَوْنِهِ (تَالِفًا)؛ بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَغْصُوبِ: كَانَ فِيهِ- حِينَ غَصَبْته- سِلْعَةٌ أَوْ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ دَعْوَاهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ أَوْ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ (كَطَرَشٍ)- بِفَتْحَتَيْنِ- أَهْوَنُ الصَّمَمِ، وَيُقَالُ: هُوَ مُوَلَّدٌ، أَوْ أَعْمَى؛ (فَقَوْلُ مَالِكٍ) بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فِي وَقْتِ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: زَادَتْ قَبْلَ تَلَفِهِ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَعْدَ تَلَفِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ شَاهَدْت الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَقَالَ الْمَالِكُ: تَعَيَّبَ عِنْدَك، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ الْعَيْبُ فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ؛ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُدُوثَهُ عِنْدَ الْآخَرِ؛ فَقَوْلُ غَاصِبٍ بِيَمِينِهِ. (وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ غُصُوبٍ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ أَوْ عَرَفَ رَبَّهَا، وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَهُوَ يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ (رُهُونٌ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: أَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ رَبَّ الْمَالِ، لَكِنَّهُ أَيِسَ مِنْهُ (أَوْ) بِيَدِهِ (أَمَانَاتٌ) مِنْ وَدَائِعَ وَغَيْرِهَا (لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا) أَوْ لِحِرَفِهِمْ وَفُقِدُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَرَثَةٌ، (فَسَلَّمَهَا)- أَيْ: الْغُصُوبَ أَوْ الرُّهُونَ أَوْ الْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا- (إلَى حَاكِمٍ، وَيَلْزَمُهُ)- أَيْ: الْحَاكِمَ- (قَبُولُهَا؛ بَرِئَ) بِتَسْلِيمِهَا لِلْحَاكِمِ (مِنْ عُهْدَتِهَا) بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا لَهَا؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ. (وَلَهُ)- أَيْ: مَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَنَحْوُهَا إنْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِلْحَاكِمِ- (الصَّدَقَةُ بِهَا مِنْهُمْ)- أَيْ: عَنْ أَرْبَابِهَا بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ- لِأَنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ أَوْ الْمَعَادِ، وَمَصْلَحَةُ الْمَعَادِ أَوْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ هَا هُنَا؛ لِتَعَذُّرِ الْأُخْرَى. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا كَانَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ غُصُوبٌ أَوْ عَوَارِي أَوْ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِهَا؛ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ، فَإِنَّ حَبْسَ الْمَالِ دَائِمًا لِمَنْ لَا يُرْجَى لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ تَعْرِيضٌ لِهَلَاكِ الْمَالِ وَاسْتِيلَاءِ الظُّلْمَةِ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَدَخَلَ بَيْتَهُ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فَخَرَجَ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ فَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ. وَكَذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ التَّابِعِينَ، مَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَتَابَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ، وَرَضِيَ بِهَذِهِ الْفُتْيَا أَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ كَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الشَّرِيعَةِ كَالْمَعْدُومِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا،». وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَاَللَّهُ إذَا أَمَرَنَا بِأَمْرٍ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، فَمَا عَجَزْنَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ سَقَطَ عَنَّا. انْتَهَى.
وَقَالَ (فِي الْغُنْيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ)- أَيْ: التَّصَدُّقُ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ حَمْلُهُ)- أَيْ: لُزُومِ التَّصَدُّقِ- (مَعَ عَدَمِ حَاكِمٍ أَهْلٍ) لِلِائْتِمَانِ كَحُكَّامِنَا الْآنَ، فَإِنْ وُجِدَ حَاكِمٌ أَهْلٌ وَهُوَ أَنْدَرُ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا، بَلْ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ دَفْعِهَا إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهَا وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ بِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِشَرْطِ ضَمَانِهَا) لِأَرْبَابِهَا إذَا عَرَفَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ الضَّمَانِ إضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ. لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَهُ شِرَاءُ عَرَضٍ بِنَقْدٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهَا. وَكَذَا حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَنَحْوِهِ؛ (كَلُقَطَةٍ) حَرُمَ الْتِقَاطُهَا، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا، فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ، أَوْ يَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ الْأَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا أُنْفِقَتْ كَانَتْ لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْحَقِّ مُبَاحَةً؛ كَمَا أَنَّهَا عَلَى مَنْ يَأْكُلُهَا بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ، وَبِكُلِّ حَالٍ تَرْكُ الْأَخْذِ أَجْوَدُ مِنْ الْقَبُولِ، وَإِذَا صَحَّ الْأَخْذُ كَانَ أَفْضَلَ، أَعْنِي الْأَخْذُ وَالصَّرْفُ إلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ النَّاسِ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَهُنَا التَّرْكُ أَوْلَى. (وَيَسْقُطُ عَنْهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِ- (إثْمُ الْغَصْبِ) أَوْ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ؛ لِجَهْلِهِ بِالْمَالِكِ وَثَوَابُهَا لِأَرْبَابِهَا، وَفِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَتَصَدَّقُ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا [يُوقَفُ هُوَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ] أَصْلُهُ طَيِّبًا وَلَا يَعْرِفُ رَبَّهُ. قَالَ: يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَمَّنْ مَاتَ، وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ، فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ، فَقَالَ: إذَا وَقَفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ.
قَالَ (ابْنُ رَجَبٍ وَعَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى هَذَا الْأَصْلِ- وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ غُصُوبٍ أَوْ أَمَانَاتٍ إلَى آخِرِهِ- (يَتَخَرَّجُ جَوَازُ أَخْذُ الْفُقَرَاءِ الصَّدَقَةَ مِنْ يَدِ [مَنْ] مَالُهُ حَرَامٌ؛ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ). وَأَفْتَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ. وَيَتَّجِهُ جَوَازُ الْأَخْذِ مِنْ يَدِ [مَنْ] مَالُهُ حَرَامٌ- (وَلَوْ بِغَيْرِ صَدَقَةٍ)- كَالْأَخْذِ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ مِنْهُ (وَالْهِبَةُ) حَيْثُ جُهِلَ حَالُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا بِيَدِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَدْ غَصْبَهَا هُوَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَابِضُ كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ، وَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ)- أَيْ: الْمَذْكُورِ- مِنْ الْمَالِ الْحَرَامِ (كُلُّ مَالٍ جُهِلَ أَرْبَابُهُ، وَصَارَ مَرْجِعُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْمُكُوسِ) وَالْغُصُوبِ وَالْخِيَانَاتِ وَالسَّرِقَةِ الْمَجْهُولِ أَرْبَابُهَا؛ فَيَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ أَخْذُهَا صَدَقَةً، وَيَجُوزُ أَخْذُهَا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ هِبَةً وَشِرَاءَ وَوَفَاءً عَنْ أُجْرَةٍ، سِيَّمَا إنْ أَعْطَاهَا الْغَاصِبُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حَالَهُمْ، كَأَنْ قَبَضَهُ لَهَا بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَيْسَ لَهُ)- أَيْ: لِمَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَالرُّهُونُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولُ أَرْبَابُهَا- (التَّوَسُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا) مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ. (فَإِنْ عَرَفَ أَرْبَابَهَا)- وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ- خُيِّرُوا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَخْذِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنْ اخْتَارُوا الْأَجْرَ، (وَجَازُوا الصَّدَقَةَ فَالثَّوَابُ لَهُمْ)؛ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَإِلَّا يُجِيزُوهَا وَأَغْرَمُوا ثَمَنَهَا لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهَا، فَالثَّوَابُ (لِغَارِمٍ) عَمَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ- إذَا عَرَفَ- رَدُّ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانَتْ الْغُصُوبُ وَنَحْوُهَا بِيَدِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ شَرْعًا. (وَيَتَصَدَّقُ) مَدْيُونٌ (بِدُيُونٍ عَلَيْهِ جَهِلَ أَرْبَابَهَا بِبَلَدِهِ) الَّتِي اسْتَدَانَ مِنْ أَهْلِهَا (نَصًّا).
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: [الدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ] يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحَقِّيهَا، وَنَصُّهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ، فَوَكَّلَ فِي دَفْعِهَا ثُمَّ مَاتَ، وَجُهِلَ رَبُّهَا، وَأَيِسَ مِنْ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْوَكِيلُ وَوَرَثَةُ الْمُوَكِّلِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ صَاحِبُهَا فِيهِ حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَ، وَهُمْ ضَامِنُونَ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ، وَاعْتِبَارُ الصَّدَقَةِ فِي مَوْضِعِ الْمِلْكِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَفِي مَالِ الشُّبْهَةِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ إذَا جُهِلَ الْقَاتِلُ، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا اخْتَصَّ بِأَهْلِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْجَانِيَ أَوْ عَاقِلَةَ الْمُخْتَصِّينَ بِالْغُرْمِ لَا يَخْلُو الْمَكَانُ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ مَالِكُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِأَهْلِ مَكَانِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْفُقَرَاءُ، لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ، كَمَا يُرَاعَى فِي وَضْعِ الدِّيَةِ الْفَتَى. وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ: يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَاطِنًا، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عَنْ مَالِكِهَا، فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازَ فِيمَنْ اشْتَرَى آجُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ: أَرْجُو إنْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْآجُرِّ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ. (وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاحٍ)؛ بِأَنْ عَدِمَ الْمُبَاحَ (لَمْ يَأْكُلْ مِنْ حَرَامٍ مَا)- أَيْ: شَيْئًا- (لَهُ غُنْيَةً عَنْهُ؛ كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ). قَالَهُ النَّوَوِيُّ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ (وَيَأْكُلُ عَادَتَهُ)؛ إذْ لَا مُبِيحَ لِلزِّيَادَةِ عَمَّا تَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ. (وَمَنْ نَوَى جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ)- أَيْ: مِنْ الْغُصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا- (أَوْ) نَوَى جَحْدَ (حَقٍّ)- أَيْ: دَيْنٍ- (عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ؛ فَثَوَابُهُ لَهُ)؛ لِأَنَّ نِيَّةَ جَحْدِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ، فَكَانَ ثَوَابُهُ لَهُ، (وَإِلَّا) يَنْوِ جَحْدَهُ حَتَّى مَاتَ رَبُّهُ فَثَوَابُهُ (لِوَرَثَتِهِ). نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُدِمَ عَلَيْهِمْ. (وَلَوْ نَدِمَ) غَاصِبٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَقَدْ مَاتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، (وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ مِنْ إثْمِهِ)؛ أَيْ: إثْمِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ؛ لِوُصُولِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَلَا يَبْرَأُ (مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ)، بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ مَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، (فَيَفْتَقِرُ لِتَوْبَةٍ)؛ إذْ لَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّ بِالضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ بِلَا تَوْبَةٍ يَزُولُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَيَبْقَى مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِيمَنْ أَدَانَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَيَعْجِزُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِيمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحِلُّ وِفَاقٍ. (وَلَوْ رَدَّهُ)- أَيْ: الْمَالَ الْمَغْصُوبَ وَنَحْوَهُ (وَرَثَةُ غَاصِبٍ) بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ مَالِكِهِ (لِوَرَثَةِ مَغْصُوبٍ مِنْهُ؛ فَلَهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ (مُطَالَبَتُهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ- (فِي الْآخِرَةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ، وَلِأَنَّهَا ظِلَامَةٌ عَلَى مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهَا بِرَدٍّ وَلَا تَبْرِئَةٍ، فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِرَدِّ غَيْرِهِ لَهَا إلَى غَيْرِ الْمَظْلُومِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَرِثَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ، فَتَصَدَّقُوا بِالْغَصْبِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ.